النصيحة امانة والناصح مؤتمن

ان الحمد لله ، نحمده و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور انفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من تبعهم بإحسان الى يوم الديـــن و سلم تسليما كثيرا ، أما بعد لقد خلق الله الإنسان وجبله على خُلُقِ التواصل مع خلقه ، فكان إجتماعي الطباع ، يَألف ويُؤلف ، ويتعايش مع ما يحيط به من أناس ، يتعاطى معهم في أمور الحياة ، فيَحِنوُنَ إليه ويَحْنُوا عليهم ، ويصبرون عليه ويصبر عليهم ، لتسير الحياة بسفن أيامها ولياليها وفق نظام إلاهيٍ محكم ، تغدو فيه الأيام والسنين ليتكون عمر الإنسان من تجاربه فيها و آثارها عليه . غير أن الإنسان وهو في بدايات حياته يكون قليل المعرفة بخبايا الحياة وأسرارها، جاهلا بمكنونات الأمور و دقائق تفاصيلها، لا يعرف منها إلا ظاهرها أو ما تبديه هي لناظِرِها ، حاله كحال داخِلٍ إلا نفق مظلم يطلب النور الذي في آخره ، غير أنه لا يعرف سلامة الطريق من مغباته ، فإما أن يسلكه بدون دليل فيهلك وإما أن يطلب دليلا مَعَهُ مِنَ النور ما يشتت ظلام النفق فيتضح السبيل ويُنار الطريق . فالإنسان مهما بلغت معرفته واتسعت آفاقها و قوية موهبته وبلغت أقصى أركانها ، فإنه يبقى في بعض مواضع الحياة تائها ، لا يجد رشاد فكرٍ ولا رجاحة عقلٍ فيحتاج إلى من ينير طريقه بنصيحة ، و إلى من يسدد رأيه بإرشاد . هنا و من فطرة الإنسان أنه يتجه إلى أقرب شخص إليه ، أو أكثر شخصٍ يثق فيه ، غير آبِهٍ بمدى إحاطة هذا الناصح بما هو طالب فيه النُصْح ، فإن كان الناصح مُلمًا بالأمر نصح فأنار فأرشد ، وهذا مثال الناصح الأمين ، العارف لخطورة النصيحة وأنها لا تُؤدى إلا بحقها في موضعها ، وأما إن كان الناصح غير ذلك ، نصح فأهلك وأفسد ، فيكونان كأعمى يقود أعمًا أصمْ . إن النصيحة هي أمانة يؤديها القادر على آدائها بصدق وإخلاص ، وليست مجرد رأي يقوله صاحبه لأنه يوافق هواه ، ثم لا يدري بعد ذلك أهو مصيب أم مُخطئ ، وهل هو مُصلح أم مُفسد ، وكم هناك من ناصحين ، ولكن ما قل أن تجد فيهم من هم ناصحون مؤتمنون . غالبا ما يطلب الإنسان النصيحة من عامة الناس دون النظر في إحاطتهم بما يطلب فيه النصيحة . هل ندرك مغبة ذلك ؟ ولماذا هذا التوجه عند غالبية الناس ؟ أن أنصحك معناه أن أقول رأيي في أمر معين ، حتى وإن كنت لا أعرف منه إلا تسميته ، هل هذا صحيح ؟ إذن ما معنى أن أنصحك ؟ يُقال عموما أن أراء الناس لا تهم بقدر ما تهم قناعات الواحد هل تكفي القناعات دائما لإتخاذ القرارات ؟ النصيحة أمانة والناصح مؤتمن ، هل يعي الواحد منا أبعاد هذه المقولة ؟ فـــي أمــــان الله . منقول